في ذكرى ميلاده، ماذا تعلمنا من لينين؟
د. كاوە محمود سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني
في 22 نيسان عام 1870 ولد فلاديمير ايلتش لينين الذي أصبح قائدا لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا عام 1917 ليقود الشعب في طريق غير معبَّد سابقا ضمن عملية التغيير الاجتماعي لبناء مجتمع جديد يمثل حلم البشرية في المساواة و بناء الاشتراكية. وإذا كان هذا الحلم و النضال قد تعرض الى انتكاسة كبيرة بعد مضي سبعين سنة على بناء نموذج للاشتراكية بسبب مساراتها المتعرجة و مآلها نتيجة للتناقضات و الصراعات الكامنة في التجربة و مسار تطورها، إلا أن ذلك لا ينفي التجارب النظرية والعملية الغنية لقادة الثورة و مسيرة هذا النموذج من الاشتراكية، و تأثيراتها على الفكر الماركسي و على الأحزاب الشيوعية العالمية، و من ضمنها حزبنا الشيوعي الكوردستاني.
تأتي مساهمات لينين النظرية و عمله في قيادة الحزب في طليعة تلك التجارب. فقد ترك لنا لينين مؤلفات وأبحاث في مجالات الفلسفة و الاقتصاد و السياسة و بناء الحزب لم تفقد حيويتها من حيث دروسها الايجابية وواقعيتها من جهة، و امكانية انتقادها من الجهة الأخرى. فلا تزال مساهماته "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، و المادية و مذهب النقد التجريبي، و الدولة والثورة، والمسألة القومية وحق تقرير المصير، و مرض اليسار الطفو لي، و ما العمل"، مواد غنية تمثل مصادر كلاسيكية في الفكر الماركسي، و تمثل بالنسبة لنا في الحزب الشيوعي الكوردستاني دروساً لا يمكن الاستغناء عنها.
احد الدروس الأساسية التي أكد لينين عليها هو الاسترشاد بالماركسية باعتبارها نظرية ثورية. فقد تعلمنا من لينين بأن الأساس الأول لوجود الحزب الثوري هو النظرية الثورية. وفي حالة غياب هذه النظرية يصبح الحزب مجرد تجمع لأعداد من الناس بشكل عفوي وفي إطار تجريبي وضمن مصالح الطبقات المستغِلة، وتهيمن عليه عقلية البرجوازية وطرائق عملها. وسيكون في نهاية المطاف متناقضا مع مسيرة النضال من أجل التغيير والتقدم الاجتماعي. وفي ظل الظروف الراهنة حيث يهيمن فكر الليبرالية الجديدة على نمط الحياة الحزبية في بلداننا والقوانين المنظمة لها، تتمحور التعددية الحزبية في إطار الفكر الرأسمالي والتناقضات الثانوية للطبقات البرجوازية وفي إطار إعادة إنتاج الفكر الرجعي بأشكال جديدة، ومن خلال توظيف خطاب الكراهية الذي يؤدي دوراً سلبياً في تفتت جهود الكادحين من مختلف القوميات و الانتماءات في النضال من أجل التغير، و مصحوباً بتبني خطاب شعبوي يقوم بتوظيف جميع المصطلحات المتعلقة بمواجهة الفساد والحديث عن الإصلاح انطلاقا من استغلال معاناة الجماهير وبؤسها الشديد، لطرح الخيار الرأسمالي المعتمد على الخصخصة المفرطة والالتزام بتوجهات وتوصيات صندوق النقد الدولي. ان هذا الخطاب الشعبوي المعبر عن هذه السياسة التخريبية يهدف إلى خداع الجماهير الكادحة وشغلية اليد والفكر، وتوظيف المعاناة اليومية في اطار توجه مبني على الإثارة الدائمة، وإبعاد تلك الجماهير عن مشروع التغيير الحقيقي الذي يبعد بلداننا عن الرأسمالية الطفيلية التابعة ويخلصها من السياسات الاقتصادية الفاشلة المعتمدة على شروط صندوق النقد الدولي و قروض البنك الدولي.
ان النظرية الثورية التي تخص حزبنا هي الماركسية. ويستوجب علينا الاعتماد عليها وتبنيها كأداة معرفية لدراسة الواقع الكوردستاني وتحديد المرحلة التاريخية التي يمر المجتمع بها، مع الأخذ بنظر الاعتبار بان تاريخ البشرية في طور التغيير والتطور المستمرين، وان الرأسمالية في زمن ماركس ليست هي الرأسمالية المعاصرة، وان التركيبة الطبقية في مجتمعنا في تغيير مستمر، وان المسائل القومية وحركات التحرر الوطني للشعوب في أرجاء عديدة من المعمورة رغم الإعلان عن انتهاء مرحلة تصفية الاستعمار، لا تزال باقية. وتتسم هذه الحركات بالطابع الثوري ولا تزال الدول الاستعمارية في عصر الامبريالية، عائق أمام التحرر الوطني للشعوب.
يشير النظام الداخلي للحزب الشيوعي الكوردستاني إلى تعريف الحزب كون " الحزب الشيوعي الكوردستاني ــ العراق اتحاد طوعي للمناضلين الذين يسترشدون بالماركسية والتراث التقدمي للشعب الكوردستاني وللإنسانية، يكرسون جلّ طاقاتهم وإمكانياتهم للشعب والوطن وحق تقرير المصير ولقضية الطبقة العاملة والكادحين ولمصلحة المجتمع الكردستاني، ويناضلون من أجل التقدم والعدالة الاجتماعية والاشتراكية".
من الضروري هنا أن نشير بان هذا التعريف للحزب تعبير عن المقولة اللينينية " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية".
ان النظرية بالنسبة للشيوعيين جزء عضوي من العمل النضالي، والنظرية لا تفرض بشكل قسري على العمل الثوري غير ان العمل الحزبي بمعزل عن النظرية الثورية غير مثمر. إن العمل والنضال من أجل الثورة والتغيير الاجتماعي نشاط واع، وان الصراع الطبقي بمعزل عن الوعي الطبقي يكون ضياعا للجهد والنشاط، ولا يؤدي في نهاية الأمر إلى تنظيم الطبقات الكادحة. ان النظرية لا تعني الجعجعة الفارغة وغير المثمرة، ولا يقتصر الجهد النظري على العمل الأكاديمي و دروس الفلسفة، بل هو أوسع بكثير من ذلك. إن التجربة النضالية للشعوب المناضلة من أجل العدالة الاجتماعية جزء أساسي من الجهود النظرية. إن حزبنا يتحدث عن النظرية من منظور لينيني والذي يعني دراسة الواقع والتطور الحاصل فيه ودراسة التناقضات والصراعات الدائرة فيه بعمق، لكي نطرح البديل الأكثر إنسانية في التاريخ، ألا وهو الاشتراكية!
إن قسما من التجربة الغنية للماركسية في مجال التنظيم يتجلى في مؤلف لينين الشهير " ما العمل" الذي كتبه في 1902، وفيه يشير إلى ثلاث نقاط أساسية. طبيعة التحريض السياسي وجوهره الأساسي، مهام التنظيم، مشروع بناء منظمة نضالية ثورية لعموم روسيا. وعلى العموم لم تفقد المبادئ الأساسية لهذا المؤلف المهم للينين أهميته حتى الوقت الحاضر، دون إن ننسى التطورات الحاصلة في كافة المجلات و منها نماذج الإدارة الحديثة و التقدم العلمي التكنولوجي وتأثيراتها في مختلف مجلات العمل الحزبي.
كما من الضروري ان نذكر ونحن نتحدث عن التنظيم الموضوعة التي كتبها لينين عن التنظيم بعنوان"رسالة إلى رفيق حول المهام التنظيمية" والذي يشير فيها إلى المبادئ الأساسية للتنظيم الحزبي الثوري.
يشير لينين إلى العلاقة الديالكتيكية بين النظرية والعمل الثوري قائلا( تطورت البلشفية خلال نضال شاق ضد ثورية البورجوازية الصغيرة التي تمحورت في إطار الفوضوية، وابتعدت بشكل جوهري عن شروط وضرورات النضال الطبقي المستمر لطبقة البروليتاريا. إن البورجوازية الصغيرة مستاءة من المآسي التي تجلبها الرأسمالية ، ولكن بسبب تذبذبها وعدم وضوح رؤيتها فإنها مستعدة للرضوخ و التراجع والقبول بالأمر الواقع).
لقد تعلمنا من لينين أن نكثف مساعينا لبناء حزب يتحلى بالتنظيم والعمل من أجل مصلحة الطبقة العاملة وسائر الكادحين، بعيدا عن التذبذب الفكري والتردد في اتخاذ الموقف السياسي. إن التخلي عن الماركسية و عدم الاسترشاد بها داخل الحزب يؤدي لا محالة إلى تعميق الخلافات الحزبية الداخلية، ويعتبر عاملا أساسيا في هدر الطاقات الحزبية وإشغال التنظيم الحزبي بأجندة بعيدة عن المهام النضالية و الكفاح الثوري.
إن التجارب النضالية لحزبنا وسائر الأحزاب الشيوعية تبين بشكل جلي بأن تفعيل الحزب الشيوعي وتوطيد مواقعه في النضال رهن بالنضال ضد الفوضوية والشعبوية والتوفيقية ومرض اليسار الطفولي، وفكر البرجوازية الصغيرة والفكر الليبرالي التقليدي والجديد، إضافة إلى الأفكار الرجعية والفكر الديني. وفي غياب رؤية واضحة حول هذه المسائل لا يمكن الاستمرار في توطيد الحزب و إقامة تحالفات فاعلة وقادرة على خوض النضال من أجل تحقيق المهام الوطنية والطبقية.
ان المدرسة اللينينية في التحزب تتطلب أن يتكون أعضاء الحزب الثوري وكوادره من عناصر واعية مستعدة للعمل والتضحية والالتزام بالضبط و قواعد ومبادئ التنظيم الحزبي الواعي، دون المساس بجميع الآليات التي تضمن الديمقراطية الحزبية والتأكيد على حرية التعبير عن الرأي و النقاش حوله، وعلنية الفكر و السياسة والمبادئ التي توجه التنظيم، والاعتماد على الشفافية في العمل بما يفسح ويهيأ المجال لانطلاق طاقات الحزب و منظماته وأعضاءه، وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية. ومن المفروض ان يكون أعضاء الحزب وكوادره نموذجا مميزا في الوعي والنشاط والضبط. ومن خلال هذا التوجه و تعميقه يمكن للجماهير أن تحقق القطيعة مع القيم والمفاهيم التقليدية، وتنتج قيماً مبنية على الحداثة والفعل الثوري.
ومن الدروس الأخرى التي يمكن استلهامها من مؤلفات لينين و خبرته الثورية، هي قضية تحديد التناقضات و المرحلة التاريخية للتطور الاجتماعي، و التي تعتبر أساسا لتحديد المهام السياسية الأساسية للحزب الثوري.
يعتبر تحديد المرحلة التاريخية والمهام النضالية لتلك المرحلة من القضايا الأساسية التي تواجه حزبنا بغية توجيه طاقاته البشرية ومنظماته الحزبية لتحقيق تلك المهام. وهنا لا بد من الإشارة إلى مهمتين أساسيتين في هذه المرحلة الحساسة:
الأولى/ انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي يشار إليها في بعض الأدبيات الماركسية بانجاز مهام الثورة الديمقراطية البورجوازية والتي تحدد مهام حزب الطبقة العاملة وما يتعلق بتحديد القوى المحركة للتغيير الاجتماعي. وقد انعكست هذه المهام في برنامج الحزب وتوجهاته حول النظام السياسي والسياسة الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الطبقات والفئات الاجتماعية وتأكيده على النضال من أجل الحوكمة (الحكم الرشيد) ودولة المؤسسات وبناء المجتمع المدني وقيم المواطنة الكوردستانية الفاعلة، وحرية المرأة، وتأمين الضمان الصحي والتأمينات الاجتماعية، والحريات العامة، و هي تعكس الجانب الطبقي للحزب ودفاعه عن الديمقراطية و الحرية والتقدم، وهي مهام لم تستطع السلطة الكوردستانية تحقيقها إلى الآن.
الثانية/ إن المهام التي أشرنا إليها، وهي مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، مرتبطة بالنسبة لحزبنا بمهام التحرر الوطني، الذي يعتبر مكملا لمشروعنا من أجل التغيير الاجتماعي. ولذا يؤكد برنامج المؤتمر السادس للحزب عام 2016 عند تعريفه للحزب ( أن الحزب جزء من الحركة التحررية الوطنية لشعب كوردستان يؤمن بحق تقرير مصير الشعب الكوردستاني في كافة أجزاء الوطن، بما في ذلك حقه في إقامة الدولة الوطنية الموحدة، ويبني علاقاته مع قوى الحركة التحررية الكوردستانية على أسس التعاون والأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات والنضال من اجل تحقيق الديمقراطية و حقوق الإنسان و التقدم الاجتماعي، ويعمل في سبيل تقوية أواصر النضال مع الأحزاب اليسارية والديمقراطية و التقدمية في المنطقة على أساس النضال المشترك من اجل الديمقراطية والحرية والسلام).
إن الإشارة إلى هاتين المهمتين في الوثائق الحزبية تأكيد على مهام حزب الطبقة العاملة من أجل تحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية والنضال الدؤوب من اجل توفير مستلزمات البديل الاشتراكي، تزامنا مع اعتباره حزبا ثوريا وفصيلاً مناضلا في صفوف الحركة التحررية الوطنية لشعبنا الكوردستاني في نضاله من أجل حق تقرير المصير. إن حزبنا يعتبر نفسه أكثر صدقا ووضوحا من بقية أطراف الحركة التحررية الوطنية لشعبنا في هذا التوجه من من خلال تأكيده على عدم التفريط بحق تقرير المصير، والتأكيد على غلبة المصالح والأهداف الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة.
عندما نستذكر ميلاد لينين ينبغي ان نشير إلى توجهاته في النضال الأممي و تشخيصه لطبيعة الرأسمالية مع الأخذ بنظر الاعتبار التطورات الحاصلة للرأسمالية المعاصرة، و ضرورة تجديد مشروعنا الأممي وفق المستجدات و التناقضات و الصراعات التي خلفتها الليبرالية الجديدة و آخرها تداعيات وباء الكورونا على البشرية، مما يدعو إلى التأكيد على النضال ألأممي في مجتمعاتنا وبلداننا وعلى الصعيد الدولي، في مجالات الحفاظ على البيئة و محاربة الفقر و البطالة و الحفاظ على سلامة الإنسان و الصحة العامة، والتأكيد على نظام دولي عادل يتسم بالحوكمة و حل النزاعات وإنهاء بؤر التوتر، و العمل من أجل مجتمع المصير المشترك للبشرية. إن هذه المفردات تتطلب بناء أممية جديدة قوامها الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية و قوى اليسار و التمدن و التقدم العالمية و قوى حركات التحرر الوطني على الصعيد العالمي. و لاشك بأن الحامل الاجتماعي لهذا المشروع ألأممي الذي يتضافر بالجهود و النضالات الوطنية، يكمن في الفئات المهمشة و شغيلة اليد و الفكر وجمهور العاطلين الذين يتزايد أعدادهم باستمرار، و كل الفئات المتضررة من سياسات الليبرالية الجديدة، إضافة الى الشعوب المناضلة من اجل التحرر.
لقد تعلمنا من لينين و من دروس التجارب الاشتراكية سواء المنتكسة أو المستمرة، ضرورة المحافظة على مشروعيتنا الثورية التي تكمن اليوم في مواصلة تواجدنا في طليعة عمليات التغير الاجتماعي وفي ساحة النضال الوطني والطبقي، وتجديد مشروعنا النضالي و توسيع الحامل الاجتماعي له وإيجاد تحالفات مرنة على الصعيدين الوطني والأممي تستجيب للمتغيرات، معبرين عن مصالح شغيلة اليد
والفكر وسائر الكادحين، في وقت يسعى الرأسماليون وفصائل البورجوازية الطفيلية والبيروقراطية التابعة والإسلام السياسي والليبراليون، التشكيك في مشروعيتنا الثورية.
كما ينبغي القول بأن جانباً من هذه المشروعية الثورية يكمن في ضرورة احترام هويتنا الحزبية و الاحتفاظ بها وهي هوية يجب أن نفتخر بها لأنها هوية المناضل الشيوعي الذي يضع المصلحة العامة على كافة مصالحه الشخصية والذاتية. ان هوية المناضل الشيوعي أكبر بكثير من الهويات الطائفية والقومية والمذهبية والانتماءات العائلية ومجمل العلاقات التقليدية، وتلك المبنية على أسس الامتيازات والمناصب.


 رێگای كوردستان ماڵپەڕێكی سیاسی، رۆشنبیری، گشتییە ئۆرگانی حزبی شیوعی كوردستانە، مەكتەبی راگەیاندنی ناوەندی بەڕێوەی دەبات

میدیا

   تەلەفۆن:   797 4635 750 964+

   ناونیشان:  هەولێر - گەرەکی ئازادی - نزیك نەخۆشخانەی نانەکەلی

   ئیمێل:  regaykurdistan@gmail.com

سۆسیال میدیا