
كاوه محمود
وضمن هذا السياق في التعامل مع الدراسات المستقبلية، يجب النظر الى الملفات المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط عموما، ومن ضمنها الملفات المتعلقة بالدراسات المستقبلية في كوردستان، بمجملها وتنوعها وتعددها، وعدم حصر اشكاليات الشرق الأوسط وازماتها في القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي فقط، وما يجرى تداولها أيضا من الجانب الكوردستاني بأن الأمن والسلام لا يمكن تحقيقه في الشرق الأوسط دون حل القضية الكوردستانية حلاً سلمياً ديمقراطياً عادلاً، رغم عدم الشك في حيوية وأهمية القضيتين، واعتبارهما مفتاح الأمن والسلام في المنطقة.
غير أن ملفات الشرق الوسط وما يتعلق بالدراسات المستقبلية التي يجب الاهتمام بها وغور مضمونها و تعقيداتها، يجب أن تنصب أيضاً على السلام الداخلي والمحلي داخل تلك المجتمعات والدول، وتداول اشكالياتها الداخلية واشكالية التعامل مع الآخر، ومعالجة مظاهر التشظي رغم وجود الضرورات الموضوعية لتوحيدها، وتداول القضايا المتعلقة بالاستبداد السياسي وانتهاك حريات الأفراد والشعوب والمجموعات العرقية، وانتهاك حقوق المرٲة وغياب مقومات وأسس الحوكمة الديمقراطية، وفشل مشاريع التنمية وزيادة نسب الفقر والبطالة، إضافة الى غياب مشاريع التنوير والعقلانية والحداثة تزامناً مع زيادة وتائر العنف والإرهاب في المنطقة.
ان المواضيع المشارة اليها أعلاه تشكل ملفات أساسية لتناول الدراسات المستقبلية فيما يخص الشرق الأوسط، وتمتلك كل ملف وكل موضوع من تلك المواضيع مفرداتها و منهجيتها العلمية الخاصة، إضافة الى خطوط منهجية تتميز بالعمومية والتشارك ضمن تصور شمولي عام ومشترك لمجمل تلك الملفات المعنية بالمستقبل في تلك المنطقة.
وعليه يمكن تصنيف تلك الخطوط العامة التي يجب مراعاتها في الدراسات المستقبلية، وأخذها بنظر الاعتبار بما يلي:
ـ النظر الى الوضع العام في مجتمعات ودول الشرق الأوسط انطلاقاً من قانون عام يتجاوز الركود والثبات بمعنى الجمود وتوقع بقاء الوضع السياسي العام في حالة السكون، دون إمكانية التغيير. ان منهجية الثبات والركود والسكون تتناقض مع المبادئ العامة لفلسفة التاريخ، ومن شأن تلك المنهجية إشاعة التشاؤم وفقدان الأمل بالمستقبل. وبالضد من تلك المنهجية يجب أن تكون قراءاتنا المستقبلية مبنية على حتمية التغيير وعدم إمكانية بقاء الوضع الحالي كما هو، (فكل ما هو صلب يتحول الى أثير) حسب إشارة المفكر الماركسي مارشال فريدمن في كتابه حول الحداثة.
ـ الاعتماد والاسترشاد بالواقعية في دراسة الوضع الحالي، وتحديد عوامل وامكانيات التغيير وتشخيص العراقيل الموضوعية والقوى المعرقلة له، ودراسة تأثير المكونات والمجموعات المجتمعية، وفي أطار دولة محددة بعينها، ضمن حقيقة مفادها بأن مجتمعات الشرق الأوسط ودولها ليستا جزر معزولة عن بعضها، وبالتالي يجب التعامل مع ما موجود من حالات واشكاليات في المنطقة ضمن التعقيد والتداخل و التأثير المتبادل في مجريات وعمليات التغيير.
ـ الاخذ بنظر الاعتبار ما جري من تطورات وتغييرات خلال العقد الأخير من القرن العشرين والربع الأول من القرن الواحد والعشرين في مجال السياسة الدولية والنظام العالمي وما يتعلق بالقطبية، في ظل تراجع قوى اليسار والأطراف الداعية للعدالة الاجتماعية والمساواة في زمن تراجع الحديث عن السرديات الكبرى. ورغم البوادر الحالية المتعلقة بالتعددية القطبية، فأن هيمنة القطبية الواحدة التي أوجدتها تفكك الاتحاد السوفيتي ووجود الأقطاب الاقليمية هي السمة المهيمنة على الشرق الأوسط عموماً.
ـ تشخيص التناقضات والصراعات الداخلية والمحلية ضمن اطار قوى اجتماعية في مجتمع محدد ومتميز يمتلك خصوصيتها وتفاعلاتها الداخلية، إضافة الى التناقض والصراع الموجود لذلك المجتمع مع مجتمع آخر ضمن اطار المصالح والخصوصيات، يصف كل واحد منه الآخر بالغير.
ـ تشخيص ظاهرة التشظي والنزعة المناطقية في مجتمع تتوفر فيه مستلزمات وتوقعات الوحدة والعمل المشترك من أجل الاهداف المشتركة، واعتبار هذه الحالة تحدياً كبيراً في مسيرة بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية.
ـ تشخيص الظواهر السياسية الجديدة ومنها ما يتعلق بظاهرة الدولة العميقة، وتنظيم الحياة الحزبية وفق القيم التقليدية والمعايير المتعلقة بالمناطقية والطائفية والنفوذ العائلي، وتأثير تلك المعايير على طبيعة الحياة السياسية والحزبية.
ـ تراكم الأزمات السياسية التي أدت الى فقدان الامن والسلم وزيادة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لمجتمعات وأقاليم ودول المنطقة، في وقت تتراجع الآفاق لطرح معالجات جاهزة لحسم الخلافات و تحقيق السلم الاجتماعي في المنطقة، بسبب فشل النظام السياسي الدولي لايجاد آلية مناسبة لحل القضايا، وعدم قدرة القوى الاجتماعية الداخلية في إيجاد آلية وبرامج ووجهة سياسية فاعلة لحل الأزمات.
ـ أثر الأزمات في المراكز الرأسمالية وأزمة الاوليكارشية المالية في الرأسماليات التابعة على طبيعة الازمات وديموتها في الشرق الأوسط الذي أصبح ميداناً لصراعات القوى الرأسمالية العالمية والأقطاب الإقليمية التي بدت تستخدم أساليب جديدة في صراعاتها.
ان الإشارة الى الخطوط المنهجية أعلاه ليس بديلا عن الاعتماد على منهجية تحمل صفة تخصصية بكل حقل من حقول الدراسات المستقبلية المتنوعة، غير ان النقاط المنهجية العامة التي تمت الإشارة اليها من شأنه إيجاد الربط العضوي بين السياسة والمعرفة، والاعتماد على منهجية علمية تتجاوز الشعاراتية والشعبوية في الخطاب السياسي، وتؤكد على الاحتكام بالواقع، وإنقاذ البحوث المستقبلية من سطوة المراكز الحاكمة التي تبحث عن دراسات تبرر مواقفها وتمسكها بالسلطة.
* مادة جرى تقديمها في ندوة (القضية الكوردية وآفاق المستقبل) الذي عقدت بداية حزيران في مدينة دياربكر في تركيا.