بعد ثلاثين عاما من اعتماد المؤتمر العالمي التاريخي الرابع للمرأة لإعلان ومنهاج عمل بكين، لم تكتف الصين بإعلان التزامها بل حولته إلى واقع ملموس. ولا يقتصر الدليل على وثائق السياسات أو الإحصاءات الرسمية، بل يتجسد في القصص اليومية للنساء اللواتي يتخطين الحواجز، ويغتنمن الفرص، ويشكلن مستقبل أسرهن ومجتمعاتهن والوطن بأكمله.

   --ضمان الحقوق وترسيخ الأسس

تشانغ قوي مي (في الوسط)، مديرة مدرسة هوابينغ الثانوية للبنات، تتابع طالباتها أثناء دراستهن في المدرسة، الكائنة في مدينة ليجيانغ بمقاطعة يوننان جنوب غربي الصين، في الأول من ديسمبر 2020.

   في كل صباح، تتردد في فناء مدرسة هوابينغ الثانوية للبنات في مقاطعة يوننان كلمات جريئة: "ولدت لأكون جبلا لا غديرا صغيرا، أعلو القمم وتحت قدمي الوديان". وراء هذه الكلمات تقف تشانغ قوي ميه، مؤسسة المدرسة، التي تواصل في عقدها السادس وهي تواجه تحديات صحية، تكريس أكثر من 18 ساعة يوميا لطالباتها. وبمكبر الصوت في يدها، أصبحت رمزا حيا لقدرة التعليم على فتح الأبواب التي أغلقها الفقر ذات يوم.

    صدى هذه النموذج يتردد في مختلف أرجاء البلاد، حيث كاد الفارق بين الجنسين أن يمحى تماما في مرحلة التعليم الإلزامي. فمنذ عام 2015، استقر معدل التحاق الفتيات بالمرحلة الابتدائية عند نسبة تفوق 99.9 بالمئة كما تشكل النساء اليوم ما يقارب نصف طلاب الجامعات، مع حضور متعاظم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي كانت فيما مضى حكرا تقريبا على الذكور.

    ويكتب القطاع الصحي فصلا آخر من فصول التقدم، حيث استفادت أكثر من 480 مليون امرأة من فحوصات مجانية للكشف عن سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي. وانخفض معدل وفيات الأمهات إلى 15.1 لكل 100 ألف مولود حي، متجاوزا بذلك أداء العديد من الدول ذات الشريحة العليا من الدخل المتوسط.

    وهذه الإنجازات ترتكز على أسس قانونية راسخة: فقانون الزواج لعام 1950 كرس مبادئ المساواة بين الجنسين وحرية الزواج، وقانون مكافحة العنف الأسري لعام 2016 أدخل نظام أوامر حماية السلامة الشخصية، فيما منع تعديل عام 2022 على قانون حماية حقوق ومصالح المرأة التمييز في مكان العمل بشكل صريح. وهكذا تحولت الضمانات القانونية في الصين إلى واقع معاش للمرأة.

--تخطي للحواجز وقيادة الابتكار

   من مختبرات الأبحاث إلى أغوار الفضاء الخارجي، ومن القرى النائية إلى المنصات الالكترونية، تسهم المرأة الصينية في صياغة قصة التنمية الوطنية بأسلوب متجدد. فقد أنقذ اكتشاف العالمة الحائزة على جائزة نوبل تو يويو لمادة الأرتيميسينين ملايين الأرواح حول العالم. وألهمت رائدة الفضاء وانغ يا بينغ، أول صينية تؤدي نشاطا خارج مركبة في الفضاء، أطفال الأمة عبر دروسها التي قدمتها من المدار الفضائي. بينما استطاعت مدونة الفيديو لي تسي تشي أن تنقل الثقافة الصينية التقليدية إلى العالم، ساحرة قلوب أكثر من 27 مليون متابع.

رائدة الفضاء وانغ يا بينغ تخرج من كبسولة العودة للمركبة الفضائية المأهولة شنتشو-13 في موقع الهبوط دونغفنغ بمنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في شمالي الصين، في 16 أبريل 2022. 

ولا يقل عن ذلك روعة التحول الذي أحدثه الاقتصاد الرقمي، حيث تشارك اليوم 57 مليون امرأة صينية بنشاط في مجالات التجارة الإلكترونية والبث المباشر والتجارة الرقمية. وقد وفرت وحدها منصة ويتشات التابعة لشركة تينسنت 14.47 مليون فرصة عمل للمرأة. كما تجاوزت نسبة رائدات الأعمال الرقمية حاجز النصف، وكثيرات منهن من المناطق الريفية، حيث لم يعد العمل عبر الإنترنت يعني مجرد تحقيق الاستقلال المالي فحسب، بل يضفي أيضا حيوية جديدة على الاقتصاد المحلي.

   --تبادل للخبرات وتقدم مشترك

   لم يكن التزام الصين بالمساواة بين الجنسين منغلقا على الذات، فمنذ تصديقها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1980، سعت إلى مواءمة التقدم الوطني مع المسؤولية العالمية. ومن خلال التعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرهما من الشركاء الدوليين، قامت الصين بتدريب مئات الآلاف من النساء من أكثر من 180 دولة ومنطقة، حيث شاركت خبراتها في مجالات صحة الأمومة والتعليم وريادة الأعمال.

    وفي الوقت نفسه، أصبحت البرامج المحلية نماذج يحتذى بها عالميا. فمشروع "براعم الربيع" الذي أُطلق عام 1989، مكن 4.36 مليون فتاة من العودة إلى المدرسة بدعم مالي بلغ 3.44 مليار يوان (حوالي 483.52 مليون دولار أمريكي). كما وفر مشروع "صهريج الأمهات للمياه" مياه الشرب النظيفة لنحو 3.95 مليون امرأة وأسرهن في المناطق المتضررة من الجفاف.

   وهذه التجارب المتجذرة في رحلة التنمية الصينية، يجري الآن تعميمها عبر التعاون بين بلدان الجنوب. وسواء من خلال مبادرات التجارة الإلكترونية للحد من الفقر، أو برامج التعليم لتمكين الفتيات الريفيات، تواصل الصين تقديم حلول عملية. كما علقت سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة  قائلة "تقدم تجربة الصين في تعزيز المساواة بين الجنسين دروسا قيمة للعالم".

   --نظرة مستقبلية نحو بناء مستقبل مشترك

بعد ثلاثة عقود من انعقاد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، تستعد بكين لاستضافة اجتماع القادة العالميين بشأن المرأة. هذا التجمع العالمي القادم يمثل احتفاء بالإنجازات المحققة وتذكيرا بالمهام المتبقية، فما زال الطريق طويلا لتحقيق عالم خال من التمييز على أساس الجنس، قائم على التنمية الشاملة. ومع ذلك، فإن التقدم المحرز حتى الآن يثبت ما يمكن تحقيقه عندما تلتقي العزيمة والابتكار والتضامن.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة في 24 يوليو 2025، باحثين يقفون لالتقاط صورة جماعية في كلية تكنولوجيا المستقبل بجامعة بكين في العاصمة الصينية بكين.

   إن رحلة الصين في النهوض بحقوق المرأة لا تزال تتكشف، محملة برسالة أمل ومسؤولية من بكين إلى العالم مفادها أن تمكين المرأة ليس مجرد أولوية وطنية فحسب، بل هو إسهام في المستقبل المشترك للبشرية.


 رێگای كوردستان ماڵپەڕێكی سیاسی، رۆشنبیری، گشتییە ئۆرگانی حزبی شیوعی كوردستانە، مەكتەبی راگەیاندنی ناوەندی بەڕێوەی دەبات

میدیا

   تەلەفۆن:   797 4635 750 964+

   ناونیشان:  هەولێر - گەرەکی ئازادی - نزیك نەخۆشخانەی نانەکەلی

   ئیمێل:  regaykurdistan@gmail.com

سۆسیال میدیا