
في الحادي والثلاثين من آذار ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الكوردستاني، والتي تتزامن مع ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي تعبيرا عن التاريخ المشترك للشيوعيين في كوردستان وعموم العراق، يحتفل الشيوعيون الكوردستانيون بهذه الذكرى المعبرة عن مسيرة نضالية طويلة شاقة، تزيد عن تسعين عاماً. مسيرة مليئة بالتضحيات والكفاح في سبيل مصالح الشعب والوطن، قدم خلالها الآلاف من المناضلين جهودهم وتضحياتهم، فكانوا ابطالاً في الكفاح المسلحن ورموزاً للمقاومة والصمود ومواجهة الجلادين في السجون والمعتقلات، ومبدعين في العمل السري ضد الديكتاتورية في المدن والارياف، مكرسين أنفسهم لخدمة مصالح الشعب والطبقة العاملة، وظلوا أوفياءَ لمبادئ حزبهم، باعتباره حزب النضال الوطني والطبقي، حزب يسعى لتحقيق وطن حر وشعب سعيد، ويرى في العدالة الاجتماعية والمساواة والاشتراكية خيارًا تاريخيًا، مستندًا إلى الماركسية، مناضلاً من أجل القضية الوطنية الكوردستانية وحقوق الطبقات الكادحة، ومدافعًا عن حقوق الإنسان وحقوق النساء والحريات الديمقراطية.
تمر ذكرى تأسيس حزبنا الشيوعي في ظل أوضاع تتسم بتعقيدات جمة، وفي ظل متغيرات نوعية تشمل منطقة الشرق الاوسط عموماً، ضمن التناقضات والصراعات الموجودة بين أقطاب اقليمية وأخرى دولية، تنعكس على كوردستان وعموم العراق، وتمس مستقبل المنطقة ودولها بشكل عام، بعد تفاقم الصراعات الناشئة عن أزمة دول المنطقة والانظمة السياسية الحاكمة فيها، بعد أن جرى تغيب الارادة الحرة لشعوب المنطقة وخياراتها الاساسية، وتعثرت خيارات السلم والتنمية والتقدم الاجتماعي.
وترافق الأزمة العامة في المنطقة، الأزمة الناتجة عن الاوضاع الداخلية الناشئة عن سوء الادارة واستمرار المحاصصة الادارية في اقليم كوردستان والمحاصصة الطائفية في العراق، والتعثر الواضح في ممارسة الفيدرالية في ظل عدم تطبيق الدستور الاتحادي، والتوجه الى آليات المركزية المفرطة في ادارة الدولة العراقية، اضافة الى بروز ظاهرة الدولة العميقة ونشاط الميليشيات ومحاولات زج العراق ضمن الاقطاب الاقليمية والدولية المتناحرة.
ان حزبنا الشيوعي الكوردستاني اذ يشير على خطورة الاوضاع في المنطقة عموماً، يؤكد على ضرورة القراءة المشتركة للقوى الديمقراطية والمدنية واليسارية الكوردستانية، لطبيعة المستجدات في الأوضاع السياسية وتحديد المحاور الاساسية وترتيب الاولويات، عبر التأكيد على سن دستور اقليم كوردستان وتوحيد قوات البيشمركة وتحسين الاوضاع المعاشية للمواطنين، وتبني سياسة اقتصادية تحد من الخصخصة المفرطة في مجال السياسة الاقتصادية لضمان توفير حياة كريمة لهم، والاهتمام بمجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، ضمن وجهة تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة، وترسيخ مفردات الحكم الرشيد، وتحقيق برنامج للتربية المدنية لتحقيق مواطنة كوردستانية فاعلة، وحماية مصالح العمال والكادحين وعموم شغيلة اليد والفكر، والاهتمام بالزراعة وضمان مصالح الفلاحين، وضمان نهج الانفتاح في السياسة الثقافية، واشاعة الديمقراطية والدفاع عن الحريات، وانتهاج سياسة خارجية تضمن السلام والتعايش السلمي والتنمية على الصعيد العالمي.
لقد أكدت تجربة السنوات المنصرمة من نضال الحزب على ضرورة استلهام خبرته الثورية بالاستناد الى أسس الماركسية وديالكتيكها الخلاق، ومن خلال الاحتكام الى نبض الواقع، وتحرير العقول والبحث عن الابداع، بعيداً عن الجمود العقائدي.
ان هذه المنهجية تكمن في اختيار طريق التجديد الفكري، والاستفادة من التنوع الثري لاسهامات المفكريين الاشتراكيين والخبرة المتراكمة والناجمة عن نضالات مختلف قوى اليسار العالمي بمختلف مدراسها الفكرية، واستنتاج الدروس العملية من الواقع الحقيقي لنضالات الحركة العمالية وحركات البيئة وحقوق الانسان، والمنتديات الاجتماعية العالمية والحركة الجماهيرية نحو التمدن والعلمانية والتقدم الاجتماعي.
ان الدروس المستنبطة من الخبرة النضالية لحزبنا، بكل نجاحاتها واخفاقاتها، لا تشكك في قناعتنا وايماننا الراسخ بان الراسمالية وسياسة الفقر والحروب والازمات المتتالية ليست بديلا عن السلام والتنمية والتقدم والديمقراطية والاشتراكية.
ان تلك الدروس تعلمنا اهمية الوضوح الفكري واقتران النظرية بالممارسة الثورية، والضرورة الموضوعية لحزبنا الشيوعي طليعةً للطبقة العاملة وسائر شغيلة اليد والفكر، وأهمية الدراية الجيدة بالفرز الطبقي الجديد، والقوى الاجتماعية الناشئة الجديدة، ودراسة الواقع لتحديد القوى المناهضة للتغيير الاجتماعي على الصعيدين العالمي والوطني ومدى ارتباطهما بالبعض، وتحديد القوى الداعمة والمناضلة من أجل التغيير الاجتماعي وفق مفردات البديل الديقراطي والخيار الاشتراكي.
ان حزبنا الشيوعي الكوردستاني اذ يحتفل في مثل هذه الظروف بذكرى تأسيسه، يدعو رفاقه ومنظماته الى تفعيل العمل بين الجماهير وفق الأسس التالية:
ــ الاعتماد على اساليب النضال الديمقراطي السلمي المدني.
ــ تعبئة الجماهير، كونها القوة الاساسية في التغيير وتحقيق التقدم على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
ــ العمل مع اجل تجميع قوى اليسار على صعيد التنظيمات و الشخصيات اليسارية.
ــ اتباع سياسية المرونة والانفتاح وامكانيات عقد تحالفات حول أجندات مشتركة تخدم مصالح الجماهير.
ــ تطوير العلاقة مع القوى الديمقراطية والمدنية العراقية وفي المنطقة عموماً، وتوسيع الصلات مع الاحزاب الشيوعية واليسارية العالمية.
ــ طرح مفاهيم التنوير والعقلانية والحداثة التي تتزامن مع النضال الوطني والطبقي وتستكلمه.
في ذكرى تأسيس حزبنا، نوجه تحية إجلال ووفاء لعوائل جميع شهداء كوردستان، ولا سيما شهداء الحزب الشيوعي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي، وشهداء الحركة الديمقراطية العراقية، ونجدد عهدنا على استمرار النضال لتحقيق أهداف حزبنا.
المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكوردستاني ـ العراق
أواخر آذار 2025